يقع مجمع الناصر فرج بن برقوق بجبانة المماليك بمنطقة منشية ناصر، ويتبع تفتيش آثار شرق القاهرة وموقع بخريطة الآثار الإسلامية بالقاهرة رقم 1 ، بالمربع 4/ك. يرجع تاريخ الإنشاء : 803 ـ 813هـ / 1400 ـ 1411م، شيده الملك الناصر زين الدين أبو السعادات فرج بن السلطان الظاهر برقوق أبو سعيد بن أنس، توصية لرغبة والده الظاهر برقوق الذي أمره أن يُعمر له تربة بالصحراء خارج باب النصر تجاه تربة الأمير يونس الدودار ، ليدفن بها تحت أقدام الفقراء حسبما ذكر المقريزي.
وظائف المنشأة :
يعتبر المبنى من أكبر المجمّعات التي أنشئت في جبانات مصر لخدمة أغراض مختلفة فقامت هذه المنشأة بأكثر من وظيفة فهي في المقام الأول تربة حيث تحتوي على قبتي للدفن أحدهما للرجال والأخرى للنساء، كما قامت بوظيفة المسجد الجامع ويؤكد ذلك وجود العناصر المعمارية مثل المئذنتين والمنبر ودكة المؤذنين، وإلى جانب الوظيفتين السابقتين قامت بوظيفة الخانقاة، وقد وردت هذه الوظائف المختلفة بالنصوص التأسيسية المسجلة بمواضع مختلفة بالمنشأة، كما اشتملت على سبيلين لتقديم الماء للناس خارج وداخل الخانقاة ، وكذلك كُتابين يعلوا السبيلين لتعليم أيتام المسلمين ومغسلة لتغسيل الأموات،.
ومن المميزات العامة للعمارة الإسلامية المطبقة في المنشأة فكرة ما يمكن أن نطلق عليه الثنائية والتماثل كوجود مأذنتين وقبتين وسبيلين وكتابين ومدخلين
حجم وعمق المنشأة
أتاحت المساحة الكبيرة الخالية خارج القاهرة بالقرافة معمار السلطان الناصر فرج بن برقوق أن يٌشيد منشأة شاسعة المساحة حيث يبلغ أطوالها 65 × 60م بمساحة إجمالية 3900م2 ، وبلغ اتساع إيوان قبلتها 37.30 وعمقه 17م، وقبتان كل منهما بطول 14.30م، ومساحة الظلة الشمالية الغربية 26.80 × 13.20م . وتعتبر قبتي فرج بن برقوق أول قباب حجرية تغطي مساحة كبيرة تبلغ 14.35 ×14.35م،
خانقاة الناصر فرج منشأة بنائها من الحجر والأجر
لدينا نماذج لحكام حرصوا على اختيار مواد بناء لمنشآتهم لا تتأثر بالنيران لتمكنهم من مقاومة الحرائق، فنجد مثلاً الأمير أحمد بن طولون يطلب من معمار جامعه أن يشيد له مسجداً لا تأتي عليه النيران فاختار المعمار الطوب الآجر، وربما كان لنفس السبب حاول معمار خانقاة الناصر اختيار مواد تمتاز بمقاومتها للحريق ومقاومة للاشتعال، وابتعد إلى حد كبير عن استخدام الاخشاب، حتى أنه لم يستخدم الأعمدة الرخامية لعدم قدرتها على مقاومة النار وفضل الاعتماد على الاعمدة الحجرية المثمنة، كما اعتمد على القباب كوسيلة للتسقيف سواء القباب للضريحين ، كما كانت القباب الضحلة من وسائل التسقيف الأساسية التي اعتمد عليها المعمار في تسقيف الإيوانات الثلاثة بالخانقاة ، واستخدم المعمار الأقبية في تسقيف خلاوي المتصوفة والطلبة، حتى المنبر شيده معماري السلطان قايتباي من الحجر.
فالحجر والأجر مواد بناء رديئة التوصيل للحرارة ومقاومة له ضمن خواصها .. كما أن استخدامها بشكل أساسي في التسقيف كالقباب والاقبية والقباب الضحلة اثبتت قدرتها أيضا كحلا معماريا معالج لتقليل تسرب الحرارة لداخل المنشأة خاصة أنها من كبريات المنشآت مساحة في منطقة كانت صحراوية مكشوفة ترتفع فيها الحرارة رغم تميزها بمميزات جغرافية اهلتها لاستخدامها كجبانة للدفن لتميز هذه المساحة بجفاف الأرض وارتفاعها عن مستوى سطح الأرض فوق مستوى مياه الفيضان
كما امتاز شرق القاهرة حيث الصحراء والجبل بالهواء الجاف الصحى مما يعوض البعد عن النهر ، فكانت تعتبر كمنتزه ولذلك كانت جاذبة للسلاطين والأمراء المماليك للبناء فيها
منبر قايتباى
من المنابر الاولى الحجرية في عمارة القاهرة ربما فضل معماري السلطان قايتباي لاستكمال منظومة البناء والاعتماد على الحجر والأجر في بناء المجموعة أن تم بناء المنبر من الحجر وليس صناعته من الخشب .
الظلتان الجانبيتان
يمكن أن نعتبر الظلتين الجانبيتين المعقودة والمسقوفة والمفتوحة على الصحن بمثابة سقائف ومظلات معدة للصلاة في أوقات الصيف ولمن يرغب في الصلاة خارج إيوان القبلة في الطراز المحلي. كما أن الظلتين تتقدما الحجرات مما يخفف من الإشعاع الشمسي على أبوابها في فصل الصيف ، أما في فصل الشتاء فقد رصدت وصول أشعة الشمس المرغوب فيها على أبواب الحجرات بالجهة الشمالية الشرقية جميعها في وقت واحد في فترة قبل الظهر وذلك من خلال فتحات عقود البائكة التي تتقدمها ، ويتضح براعة المعمار في وجود توافق بين الدخلات المعقودة للظلة المطلة على الصحن وبين فتحات أبواب الحجرات، حيث ينفذ الإشعاع الشمسي من خلال فتحات العقود على فتحات الأبواب في الفترة الصباحية
ـ تكسير الواجهات :
اتبع أسلوب الارتداد بأجزاء من الواجهات أو بروزها بالخانقاة مما أوجد واجهات فرعية صغيرة فتح بها فتحات نوافذ لأجزاء تتطلب تهوية وإضاءة أكبر فنجد المعمار ارتد بالمدخل الرئيسي عن سمت الواجهة مما أتاح له فتح شباك ثاني للسبيل كما أتاح واجهة ثانية للكتاب، ثم برز بالإيوان الغربي عن السبيل مما سمح بفتح شباك سفلي عليه مصبعات معدنية من الخارج ، ثم نافذة في المستوى العلوي .
مناور كشف سماوي :
يقصد بها الفراغات الداخلية الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها 2.5م2 ، وترتفع إلى أعلى دون سقف ، وغالباً ما تكون المناور محاطة بوحدات المبنى من جميع الجهات، وأطلقت وثائق الوقف عليها مصطلح " منور " ، فيذكر :" ... بآخر الدهليز منور سماوي ..." ، واحتوى مجمع الناصر فرج بالقرافة على مناور كشف سماوي لتوفير الإضاءة والتهوية أحدهما بالدهليز الموصل بين كتلة المدخل والصحن، كذلك يوجد منورين بالقاعات الجانبية شمال وجنوب الرواق الغربي لإضاءة الحجرات العلوية وكذلك حجرة السبيل الجنوبي المجاور للمدخل الرئيسي .
توجيه السبيلين
حرص المعمار أن يراعي توجيه وضع السبيلين من حيث موضعهما بحركة دوران الشمس واتجاه الرياح على اعتبار أن السبيل والكتاب من الملحقات التي تحتاج لتهوية وإضاءة مستمرة لطبيعة الوظيفة المنوط لكل منهما القيام بها ، حيث يساعد هذا التوجيه بالنسبة للسبيل في القيام بمهامه من حيث تبريد المياه ، وتجفيفه مما قد يصيب أرضيته من بلل ورطوبة ، فشغل المعمار الركن الشمالي الغربي بسبيل وكتاب بواجهتين حرتين ، حيث يستقبل شباكه الشمالي تيار الرياح البارد وشباكه الغربي الإشعاع الشمسي صيفاً والمُجفف لعملية البلل بالسبيل . كما برز بواجهة السبيل والكتاب الجنوبي عن المدخل فأوجد فتحة شباك للسبيل وواجهة للكتاب .
لوح السلسبيل
من أدق ما ورد من وصف لنماذج لوح السلسبيل بالشاذروانات ما ورد بوثيقة السلطان فرج بن برقوق فتذكر : " ... شاذروان مذهب يعلوه قوصرة بدقة الرخام الملون والفصوص الملونة والنحاسية المدهشة به عدة من السباع المعمول مـن النحاس المموه بالذهب المعمول برسم نزول الماء إلى الشاذروان سفل الشاذروان المذكور صحن من المرمر الأبيض برسم الماء ..." يذكر أنه تم الكشف عن بعض ألوح سلسبيل أعيد استعمالها مقلوبة على ظهرها وذلك أثناء إصلاح الأرضيات بخانقاة الناصر فرج بن برقوق وقد تم نقلها لمتحف الفن الإسلامي.
وضع الميازيب بالصحن :
حرص معمار خانقاة الناصر فرج بن برقوق بالقرافة على توزيع ميازبها بواجهات الصحن مع مراعاة وضعها بين كوشات العقود لتجنب سقوطها على المصلين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع خالص تحياتي
د. عماد عجوة
Dr-Emad Agwa
كبير باحثين بدرجة مدير عام وزارة الاثار
إلهام حسنين
عاشقة الآثار الإسلامية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق